جاري التحميل الآن

«صلاة القلق» تتوّج بجائزة البوكر 2025: عن تأليه الزعيم وخوف المخاليق من الظل

«صلاة القلق» تتوّج بجائزة البوكر 2025: عن تأليه الزعيم وخوف المخاليق من الظل

محمد عبد الرحيم

«وشيئا فشيئا، بدَا على الناس ارتضاءُ العيش برؤوس السلاحف. فأصبحَ أقلُّ ضوءٍ يزعجهم، وأبسطُ صوتٍ يوتّرهم. لقد أخذوا منالسلاحف مظهرَها، وخمولَها، لكنّهم لم يحظوا بما تحظى به من حمايةٍوخصوصيّة. وبمرور الوقت، عاثَ في عقولهم وباءُ القلق… ألا يبدوالأمر عقابا أنزله الربّ على قومٍ من العصاة؟ هل تمادينَا في ذنوبنافنزلت علينا صاعقةُ السماء؟ هل صرنا كقوم عاد وثمود ولوط؟ أم إنّناوُرّثنا مصيرَ أجدادنا الغرقى؟». (صلاة القلق) «رواية يتردد صداهافي نفس القارئ، وتوقظه على أسئلة وجودية ملحة، تمزج بين تعددالأصوات والسرد الرمزي بلغة شعرية آسرة، تجعل من القراءة تجربةحسية يتقاطع فيها البوح مع الصمت والحقيقة مع الوهم.. رواية لهاأبعاد تتخطى الجغرافيا وتلامس الإنسانية والمشترك، رواية اختارهاأعضاء لجنة التحكيم بالإجماع». (من حيثيات الفوز بالجائزة) بهذهالعبارات ـ التي تبدو وكأنها مترجمة ترجمة ركيكة ـ توّجت رواية «صلاةالقلق» للكاتب المصري محمد سمير ندا بجائزة البوكر العربية 2025،مع الإشارة إلى أن القائمة القصيرة ضمت خمس روايات أخرى،هي.. «دانشمند» للموريتاني أحمد فال الدين، «وادي الفراشات»للعراقي أزهر جرجيس، «المسيح الأندلسي» للسوري تيسير خلف،«ميثاق النساء» للبنانية حنين الصايغ و»ملمس الضوء» لنادية النجارمن الإمارات.يُذكر أن «صلاة القلق» الصادرة عن دار مسكيلياني ـتونس 2024، هي الرواية الثالثة لمحمد سمير ندا ــ مواليد 1978 ــبعد روايتي «مملكة مليكة» 2016، و»بوح الجدران»2021.

كما اخترع العرب مصطلح (العالم العربي) وقد وضعوا بذلك حدايفصلهم ويميزهم عن الآخر ـ أي آخر ـ وحينما تعجز عن الفعل يكفيكأن تخترع المزيد من المصطلحات التي تحقق لك وهما نفسيابالاستقرار والوجود، أو التغني بأمجاد انتهت منذ زمن، وأصبح التعلقبها ليس سوى المزيد من التعلق بالوهم. هذا في ما يخص العربعموما. أما نحن كمصريين فلم نزل نتعايش مع وهم (الزعامة)، ورغمأن هذه الزعامة التي تم اختصارها في شخص وحيد اسمه (جمالعبد الناصر) لم ينتصر في حرب واحدة، ولم يوجه سطوته وسلطته، إلاعلى الشعب المصري ـ كعادة سياسات العساكر ـ أو اختراع عدووهمي، حتى يظن الناس أنهم بحاجة إلى هؤلاء الذين لولا وجودهملهلكوا. ورغم نتائج فترة حُكم الزعيم المبجل، ورغم اكتشاف حقائق دولةالرعب، التي أقامها هو وأحراره، والتي لم نزل نعيش تبعاتها، إلا أنحالة تحويل المنهزم إلى شيء مقدس لم تنته بعد. لك أن تطالعصفحات ومواقع التواصل الاجتماعي اليوم.. يوم مولد الزعيم ويومموت الزعيم، وبالطبع يوم تنحى الزعيم، حتى يوم هزيمة الزعيم أطلقعليه دراويشه لفظ (نكسة)، وهو الذي صكّه بوق الزعيم (محمد حسنينهيكل)، والذي صك له دراويشه بالتبعية لقب (الأستاذ). وما بين الزعيموالأستاذ لا بد أن تضيع الحقيقة.

«قال الخوجة إنّ التمثال للزعيم المُلهم، وإنّه منحوتٌ في القاهرة، ثمّأفادَ بأنّ صانعيه مصابُو حرب. فتعجّب بعضُ السامعين من تفرّغالمُصابين لنحت التماثيل، لمن زجَّ بهم في الحرب، لكنّهم واصلوا دفعَربع إيراداتهم للمجهود الحربيّ، كما جرت العادة، بل طالبَ أغلبُهمبتوفير الخامات والتدريب اللازمَين لنحت تمثالٍ أكبر حجما في النجع،وسمّى آخرون التمثالَ بمسخوط الزعيم، قبل أن تسري بين الناسحكاياتٌ بطلُها تمثالٌ للزعيم مبتورُ الرأس ينشط بعد مغيب الشمس،فيغادر موضعه ليجوب الطرقات كأنّه يتفقّد أحوالَ رعيّته!». (الرواية)«فحتى لو صنم، سيُشطر في ما بعد، ويحتفظ (الخوجة) برأسهوذراعه التي لطالما لوّحت للجميع من المهللين لانتصاراته الزائفة، هذاالإله المشطور، بعدما كان يتفقد رعيّته، أصبح يهدد القرية الموبوءة فيالليل، يعيث فيها فسادا. هذا المتحكم في القرية والمسيطر عليها لأنهيمتلك كل الأشياء التي تجعل لها صلة بالخارج، أو بمعنى أدقتوهمهم بأنهم في أمان بهذه العزلة المخيفة. ولكن كيف يؤمن الناسبهذا الرجل مجهول الهوية، الذي تسلط عليهم.. علامَ يُجلّه الناسويُكرّمه الله بعد الفضيحة والشكوك والمذلّة؟ كيف يقدّسون حجَرَهالمشطور ويتغاضون عن ولده المبتور اللسان وقد تزامنت ذكرى مولدهمع صدمة الهزيمة الزائفة؟». (الرواية) إلا أن أي سلطة يجب أن يكونبينها وبين المخاليق جسر يبرر تصرفاتها وأفعالها، بل يباركها، حتى لولم يكن هذا الجسر نفسه مؤمنا بما تفعل. وبالطبع وبما أننا نحياعصورنا الوسطى، لن يكون هذا الجسر سوى رجل دين، يحقد علىممثل السلطة، ويرى نفسه الأحق بها، ويتساءل في غضب مكتوم، لايستطيع إلا أن يصرّح به بينه وبين نفسه.. «لِمَاذا يلتفّون حول الخوجة؟بينما يكتفي، هو الشيخ ابن وليّ الله، بالوقوف بين الناس، ليهزّ رأسه،ويومئ إيجابا، ويتمتم بكلماتٍ تدور في أفلاك الرضا والتسويف وجَبْرما انكسر من خواطر الآملين.. هو إمام مسجد النجع الوحيد، وآخرنسل المنايسة الآيل إلى الانقراض، إنّه ابن الشيخ الذي عادَ من الموتبعد دفنه. وهو الوريثُ الوحيد للرجل صاحب الكرامات والمعجزات.. ماذا فعل خليل الخوجة سوى المشاركة في مظاهراتِ رفض التنحّي؟كيف أمسَى رجلَ النجع الأوّل، وهو الضيف الثقيل المجهول النسب؟». (الرواية) فالرجل بدوره ينتظر الفرصة المناسبة ليصبح هو السلطةالمسيطرة على الناس، ولكنه يخشى ممثل السلطة الأساسي، والمُمسكبمجريات الأمور، ولكنه مجرد ظِل لهذه السلطة، وظِل ينتظر كرامة منكرامات والده الذي عاد من بين الأموات، وأخذ يهذي بكلمات غيرمفهومة، فأصبح صاحب كرامة، وناله قبس من التقديس. تقديسروحي/شعبي، بخلاف التقديس الفعلي المتمثل في الخوف من مجردصنم مشطور.ورغم اللعنة وإصابة الجميع بالوباء، الذي تم إرجاعسببه إلى نيزك أو قمر صناعي سقط على القرية عند تجربته الفاشلة ـالتجربة أيضا انتهت بالفشل ـ إلا أن هناك صوت يتصاعد، صوت(حكيم) ابن الخوجة، الأخرس المقطوع اللسان، ولكنه يعرف الكتابة،فيقوم بتدوين كل شيء، وكذا كتابة الحقائق/الفضائح على جدرانالبيوت، مهما كانت قاسية، حتى فراره إلى المدينة، بعد الثورة علىوالده، ووقوع الكثير من ضحايا القرية، وهناك يدوّن حكايات قريتهالمعزولة والموبوءة، داخل مصح للعلاج النفسي. لكن التساؤل هنا يدورحول أن يكون (الناجي) ينتسب إلى السلطوي، رغم التشكيك في هذاالنسب، أو حسب إشاعة أن الأب هو الذي قام بجريمة قطع لسانابنه؟!ومن حكيم إلى (حليم) عبد الحليم حافظ، الذي تنتهي الروايةبعام موته 1977، وهو الصوت المعبّر عن تلك المرحلة، صانع أوهامهافي نفوس المحبين والعاشقين، والذين انكتب تاريخ وجودهم ـ النفسي ـمن خلال أغنياته، فهل نستطيع التفريق بين صيحاتهم عند سماعخطابات زعيمهم وأغنيات مطرب جيلهم! هم الأحرص على القبضعلى هذا الزمن ولحظاته، خوفا من الضياع، ورعبا من عدم تصديقأنهم كانوا هنا في يوم ما. ورغم أننا من الممكن أن نلوم هؤلاء ـ جيلعباد الله.. عبد الناصر وعبد الحليم ـ إلا أننا لا نستطيع الفرار من لومأنفسنا. ورغم المصائب، نحن كمصريين لا بد أن نضحك، لذا نختتمبهذه المزحة التي تم تداولها مؤخرا على صفحات فيسبوك..كان عبدالناصر يستمع إلى أغنية من أغنيات أم كلثوم، فدخلت عليه زوجتهوسألته:

ــ بتسمع إيه يا جمال؟

ــ غلبني الشوق

ــ حتى الشوق يا جمال!

إرسال التعليق