صحيفة النهار تعزي الأمة الإسلامية باستشهاده.. السيد محمد الصدر … حياة العلماء وشهادة الاتقياء
بدأ دراسته الحوزوية في سن مُبكّر ودرس العلوم الدينية عند كبار علماء الحوزة العلمية في النجف
اُستشهد هو ونجليه السيد مصطفى والسيد مؤمل في يوم الجمعة 4 ذي القعدة سنة 1419هـ، على يد جلاوزة البعث
لقب بعدة ألقاب: منها: السيد الشهيد، والليث الأبيض وشهيد الجمعة وشهيد الله والشهيد الصدر الثاني لتمييزه عن أستاذه الشهيد الصدر الأول
بادر الشهيد الصدر الثاني وهو لابس كفنه لإقامة صلاة الجمعة التي أفتى بوجوبها التعييني حيث اعتبر صلاة الجمعة هي الوسيلة الراجحة في إيقاظ الأمة
صلاة الجمعة كانت تعالج كل حالات الانحراف في المجتمع العراقيوحركة السيد الصدر كانت إصلاحية تعالج الكثير من الأمراض الاجتماعية بشكل عام
إعداد صحيفة النهار
السّيد محمد الصّدر، (1362ــ1419هـ) فقيه وعارف، ومفكّر، ومرجع ديني تصدى للمرجعية الدينية بعد وفاة السيد عبد الأعلى السبزواري، وذلك عام 1993م. كان له الكثير من الأنشطة السياسية والاجتماعية، منها: دوره البارز في قيادة الانتفاضة الشعبانية عام 1991م في مواجهة السلطة الحاكمة في العراق، وإقامته لصلاة الجمعة التي ذهب إلى وجوبها التعييني. تعرّض للكثير من الاعتقالات من قبل نظام صدام حسين.
بدأ دراسته الحوزوية في سن مُبكّر ودرس العلوم الدينية عند كبار علماء الحوزة العلمية في النجف، منهم: السيد محمد باقر الصدر، ، والسيد محسن الحكيم، والسيد أبو القاسم الخوئي، وله إجازات في الرواية من عدّة مشايخ، منهم: آغا بزرك الطهراني، كما أُجيز بالاجتهاد من قِبَل أُستاذه الشهيد محمّد باقر الصدر في سنة 1398هـ (وكان عمره آنذاك 36 سنة).
له العديد من المؤلّفات أبرزها: موسوعة الإمام المهدي، وما وراء الفقه، وفقه الأخلاق، وأضواء على ثورة الإمام الحسين.
اُستشهد هو ونجليه السيد مصطفى والسيد مؤمل، في يوم الجمعة 4 ذي القعدة سنة 1419هـ، على يد السلطة الحاكمة بالعراق، وعلى إثر انتشار خبر استشهاده شهدت مناطق جنوب العراق والعاصمة بغداد، غضباً شعبياً عرف بانتفاضة الصدر، والتي قاومها النظام البعثي بالقتل والاعتقالات والمطاردات، ولم تختصر ردود الفعل على الداخل فقط، بل توسعت الاحتجاجات لتشمل مجموعة من الدول المجاورة، منها سوريا، وإيران.
نسبه وولادته
هو السيد محمّد بن محمّد صادق بن محمّد مهدي بن إسماعيل بن صدر الدين (1258 ــ 1338 هـ)، (الذي سمّيت أُسرة آل الصدر باسمه) بن صالح بن محمّد بن إبراهيم شرف الدين (جدّ أُسرة آل شرف الدين)، وصولاً إلى موسى (أبو سبحة) بن إبراهيم المرتضى بن الإمام موسى بن جعفر. ولدي في 17 ربيع الأول سنة 1362 هـ، في يوم المولد النبوي الشريف، الموافق 23 آذار سنة 1943 م في النجف الأشرف، حيث نشأ الشهيد الصدر الثاني في أسرة علمية معروفة بالتقوى والعلم والفضل، منهم: جده لأمه الشيخ محمد رضا آل ياسين (توفى 1370 هـ) وهو من المراجع المشهورين حيث زامنت فترة مرجعيته مع مرجعية السيد أبو الحسن الأصفهاني (توفى 1365 هـ)، ووالده العلامة حجة الإسلام السيد محمد صادق الصدر (توفى 1403 هـ).
يُذكر أنَّ أباه السيّد محمّد صادق الصدر لم يرزق ولداً بعد زواجه، حتّى اتّفق أن ذهب مع زوجته إلى بيت الله الحرام، وعندما تشرّفا بزيارة قبر النبي دَعَوَا ربّهما أن يرزقهما ولداً صالحاً يسمّيانه (محمّد)، فرزقهم الله به، فكان الولد الوحيد لهما. لقب بعدة ألقاب: منها: السيد الشهيد، والليث الأبيض، وشهيد الجمعة، وشهيد الله، والشهيد الصدر الثاني لتمييزه عن أستاذه الشهيد الصدر الأول.
تزوّج من بنت عمّه مسرة بنت السيد محمد جعفر الصدر، ورُزق بأربعة أولاد، هم: السيّد مصطفى، والسيّد مرتضى، والسيّد مؤمّل، والسيد مقتدى، وقد تزوّج الثلاثة الأوائل منهم بنات السيد محمد باقر الصدر، وله بنتان تزوجنَ من ابنَي السيد محمد كلانتر.
إقامة صلاة الجمعة
كانت الحكومة في العراق تمنع التجمعات الدينية وبالأخص بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران، وخوف النظام السابق من الشيعة في العراق بالقيام بثورة مسلحة بقيادة رجال الدين واقامة دولة إسلامية في العراق على غرار ما حصل في إيران،] وفي هذا الظرف الحرج بادر الشهيد الصدر الثاني وهو لابس كفنه لإقامة صلاة الجمعة التي أفتى بوجوبها التعييني، حيث اعتبر صلاة الجمعة هي الوسيلة الراجحة في إيقاظ الأمة، وبثّ فيها روح الشجاعة والثقة بالنفس بإمكانية التغيير وعدم القبول بالواقع الذي هم فيه مهما كانت الطريقة التي يحكم بها النظام في ذلك الوقت.[٢١] وقد وفق السيد الصدر في ذلك الأمر بسبب عدّة عوامل، منها:
• إعلان الحكومة العراقية أنها بصدد حملة إيمانية وطنية، فاستغل الشهيد الصدر هذه الأجواء لإقامة صلاة الجمعة، التي كان يقيمها أهل السنة في عموم العراق، وعلى هذا الأساس فإن الحكومة لا يمكن أن تمنع صلاة هي كانت قد شجعت على أداءها.
• صلاة الجمعة كانت دينية ولم تكن سياسية، ومنع هكذا صلاة يتعارض مع ما تدعو إليه الحكومة من حملتها الإيمانية المزعومة.
• كذلك تمتاز فريضة صلاة الجمعة بوجود خطبتين لا تصح الصلاة من دونهما، وهذا العامل قد ساعد الشهيد الصدر أن يتواصل مع الناس بشكل مباشر مما له الدور في قيادة حركة دينية إصلاحية شاملة.
• إنَّ صلاة الجمعة كانت تعالج كل حالات الانحراف في المجتمع العراقيوحركة السيد الصدر كانت إصلاحية تعالج الكثير من الأمراض الاجتماعية بشكل عام، وليست مقتصرة على الجانب السياسي.
مواجهة السلطة الحاكمة في العراق
تحول الصدر الثاني إلى رمز يقود ظاهرة إسلامية، وجرّاء هذا الأمر حدث تصعيد بين الصدر الثاني والسلطة الحاكمة، حيث حاولت السلطة أن تتدخل في شؤون صلاة الجمعة، في الكثير من المدن العراقية، فقد مارست الضغط على وكلاء السيد الصدر في جميع المحافظات العراقية من خلال الطلب المتكرّر منهم بالدعاء إلى صدام حسين، ولم يكن هذا الطلب جديداً، بل حاولت السلطة مرات عديدة دون جدوى، وعندما فشلت السلطة في انتزاع الدعاء لصدام، ذهبت إلى اسلوبها التهديدي، لمنع صلاة الجمعة والتي أصرّ الصدر الثاني على إقامتها وأوصى بإقامتها حتى بعد استشهاده، وبعد رفض الدعاء لصدام بهذه الصلاة مهما كان الثمن، تطورت المواجهة بعد ذلك إلى صدامات سبقت اغتيال الصدر الثاني في عدد من المدن العراقية، منها الناصرية حيث سقط عدد من الشهداء واعتقلت الدولة عدد من وكلاء الصدر الثاني، وطالب السيد الصدر ومن خلال منبر صلاة الجمعة في مسجد الكوفة بإطلاق سراح المعتقلين من خلال هتافات أمر جمهور المصلين بترديدها (نريد.. نريد.. فوراً.. فوراً.. إطلاق سراح المعتقلين). في ظل رفض السيد الصدر الثاني ووكلائه المتكرّر لطلبات السلطة الدعاء لرئيس الدولة، طالبت السلطة الصدر الثاني بمنع المسيرة السنوية التي يقوم بها عشرات الألوف من المشاة إلى كربلاء من مختلف مدن العراق، لكن السيد أصدر أمراً إلى الناس بالتوجه إلى كربلاء وذلك خرقاً للمنع الذي أصدرته السلطة الأمنية، وقد استجاب الزوّار لطلب الصدر الثاني وتوجهوا إلى كربلاء، لكن السلطات سرعان ما طلبت من الصدر التراجع عن موقفه فرفض ذلك، ثم هُدد بالقتل وطُلب منه أن يكتب أن الظروف لا تسمح بمثل هذه التظاهرة فرفض أيضاً، فصدر أمر بوضعه في الإقامة الجبرية، واعتقل وكلاءه في المدن العراقية، لكن الصدر الثاني خرق أمر الإقامة الجبرية مع ولديه مصطفى ومؤمل وذهب إلى الكوفة وصلى آخر صلاة جمعة وهي الجمعة (45) مما أغضب السلطة فقرّرت التخلص منه ودبرت له عملية الاغتيال.
الاعتقالات التي تعرض لها
قام نظام صدام باعتقال السيد الصدر الثاني عدة مرات، ومنها:
• في عام 1972 م قام النظام باعتقال السيد محمد الصدر مع الشهيد السيد محمد باقر الصدر والسيد محمد باقر الحكيم رئيس المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق.
• عام 1974 م قام النظام باعتقاله في مديرية أمن النجف وعندما احتج على سوء معاملة السجناء نُقل إلى مديرية أمن الديوانية والتي كانت أشد إيذاء للمؤمنين من بقية مديريات الأمن، وقد بقي رهن الاعتقال عدة أسابيع.
• عام 1998 م قام النظام باستدعاء السيد محمد الصدر والتحقيق معه عدة مرات.
• عام 1999 م قام النظام بالتحقيق مع السيد الصدر مرات عديدة وتهديده قبل اغتياله.
من أقواله
وتوجد أقوال كثيرة للسيد محمد الصدر، منها:
• كلما كانت الدنيا أصعب وبلاؤها أكثر كانت الآخرة أسهل وكلما كانت الدنيا أدنى كانت الآخرة أعلى، ولنا أسوة بالحسين الذي قيل له (لك مقامات لن تنالها إلا بالشهادة) أي إلا بالمصاعب الدنيوية الشديدة وهو ما وقع في حادثة الطف.
• حسب الفرد أن يعرف إن عمله الصالح، وتصعيد درجة إخلاصه، وتعميق شعوره بالمسؤولية تجاه الإسلام والمسلمين، يشارك في تأسيس شرط الظهور ويقرب اليوم الموعود، إذن فـ (الجهاد الأكبر) لكل فرد تجاه نفسه يحتل المسؤولية الكبرى تجاه العالم كله، وملئه قسطا وعدلا كما ملئ ظلما وجورا.
• المرجعية ليست شيء هينا لا في نظر الغرب، ولا في نظر الداخل، ولا في نظر الخارج، ينبغي مراقبتها، والشيعة أيضاً كطبقة عاطفية وحماسية ونشطة وذكية أيضاً ليست شيئا سهلا تجاه الاستعمار وتجاه القوى العالمية المعاصرة. ينبغي علينا أن نكون كما يُريد الله تعالى وليس كما يُريد الاستعمار وتُريد أمريكا بطبيعة الحال، وإنما ذمتنا تفرغ بعصيان أوامر الكفار والمستعمرين.
• يخطط الغرب الكافر أن يكون الجهل والتدني هو الصفة العامة للمجتمع في العالم كله وليس في العراق والشرق الأوسط فقط، وإنما كل الشعوب المستضعفة يكونون لقمة سائغة له ولأرباحه ولأطماعه ولكبريائه.
• لا تتسرعوا بعمل أو قول، حرام.. حرام.. حرام، انظروا أنَّه مخلص لله أولاً، وللمراجع العظام ثانياً، وليس لك أن تعمل عملا صبيانياً تعرض به نفسك وأسرتك ومذهبك ودينك إلى ما لا يُحمد عقباه.
• أن المفروض الشارع يطيع الحوزة ولولا طاعة الحوزة يفشل الشارع بطبيعة الحال ويتدهور ويؤدي أمره إلى الفساد وإلى الفسق، فالحافظون للدين في الحقيقة هم علماء الدين والحوزة ككل.
شهادته ودفنه
كان من عادة السيّد أنْ يجلس في مكتبه (البرانيّ) بعد صلاتي المغرب والعشاء في يومي الخميس والجمعة، ليخرج بعدها إلى بيته، وفي يوم الجمعة 4 ذي القعدة سنة 1419 هـ الموافق 19 من شباط عام 1999 م خرج السيّد ومعه ولداه- السيّد مصطفى والسيّد مؤمّل- وفيما كانوا يقطعون الطريق إلى بداية منطقة (الحنّانة) في إحدى ضواحي النجف القريبة، وعند الساحة المعروفة ب- (ساحة ثورة العشرين)، جاءت سيّارة، ونزل منها مجموعة من عناصر السلطة وبأيديهم أسلحة رشّاشة، فأطلقوا النار على السيارة التي كان يستقلها السيد مع نجليه، وسرعان ما اصطدمت العجلة بشجرة قريبة فترجل المهاجمون من سيارتهم وبدأوا بإطلاق النار بكثافة فاستشهدوا جميعاً.
وبعد استشهادهم حضر جمع من مسؤولي السلطة إلى المشفى، وذهب آخرون إلى بيته، ولم يسمحوا بتجمهر المعزّين أو الراغبين بتشييع جنازته، ولذا قام بمهمّة تغسيله وتكفينه مع نجلَيه مجموعةٌ من طلّابه ومريديه، ثُمَّ شيّعوه ليلًا، حيث تمّ دفنه في المقبرة الجديدة الواقعة في وادي السلام، وفي كل سنة يحيي مقلديه ومحبيه ذكرى شهادته.
إرسال التعليق